مارس
28
ملف العدد :
استطلاع حول مشروع نسائي لإغاثة اللاجئين السوريين في “بشامون” – لبنان
تقرير: سهير أومري | أوكسجين العدد 102 السنة الثالثة – الأحد 23-03-2014
الحركة بركة، وبالنية الحسنة ينمو الجهد الصغير فيثمر خيراً كبيراً ، هذا ما عبّرت عنه مجموعة سيدات سوريات يقمن بمشروع لإغاثة اللاجئين السوريين في بلدة ” بشامون” التي تقع على بُعد 18 كم شرقي بيروت
إلى هناك توجهنا صباح يوم الثلاثاء 11 / 3 لنرصد أوضاع مايقارب مئة وخمسين عائلة سورية تسكن في تلك المنطقة.
في مسجد ” الطبش ” كان قد اجتمع ما يقارب 100 امرأة و40 طفلاً وطفلة… فكل يوم ثلاثاء وعلى مدى ثمانية أشهر تقريباً تلتقي هؤلاء اللاجئات في هذا المكان بمجموعة من النسوة السوريات، ضمن مشروع صغير تقمن به، وبجهود فردية غير رسمية لإغاثة العائلات السورية.
في ساحة المسجد الداخلية جلست النساء تتلقين دعماً نفسياً من السيدة “أم فايز” صاحبة المبادرة في هذا المشروع، وهي سيدة سورية تقطن في المنطقة نفسها.
لم تكن جلسة وعظ أو إلقاء لمحاضرة، بل كانت تفاعلاً تتجاذب فيه السيدة “أم فايز” واللاجئات السوريات الحديث والنقاش…
تقول (سميرة) إحدى اللاجئات السوريات (35 سنة): خرجت من حمص الخالدية ومعي أولادي الأربعة، وعندما وصلنا إلى بشامون كنا في حالة سيئة جداً نطلب المعونة ونتسول، كما كنت أعاني من وضع نفسي صعب جداً، وخاصة أن زوجي مازال في سوريا، ولكن هؤلاء السيدات ساعدْنَنا كثيراً، كما تحسّن وضعي النفسي من خلال هذه الجلسات التي تقدمها لنا السيدة أم فايز، فصرت أجد من يسمعني ويكلمني، كما صار بين اللاجئات علاقة ودٍّ وتواصل مما خفَّف عنا جميعاً عناء اللجوء وألم فراق الأهل والوطن.
بعد أن انتهت ” أم فايز” جلسة الدعم النفسي، بدأت جلسة ثانية تقدمها (رشا) وهي شابة سورية تعلم فيها السيدات تجويد القرآن بالطريقة ” النورانية ” التي يمكن للأميين تعلم التجويد من خلالها، بحيث يتقنون التلاوة، ويتعلمون أشكال الحروف وطريقة نطقها…
في غرفة جانبية من المسجد وقفت السيدة ” أم عبد الرحمن ” (مسؤولة الإعانات العينية) تفرز الملابس والأغطية الشتوية التي سيتم توزيعها وفق الجداول التي عندها، والتي تقوم هي والسيدة ” أم خالد ” (المسؤولة التنسيقية والإدارية) بكتابتها وفق ما تمليه عليها اللاجئات السوريات بحسب حاجتهنّ وأعداد أفراد الأسر، وأعمار الأولاد، ومقاساتهن..
في الغرفة نفسها اجتمع الأطفال حول (كندة وروان) وهما شابتان سوريتان تقومان كل ثلاثاء بتنظيم ألعاب جماعية للأطفال اللاجئين، منها ما هو تعلميمي وقِيَمي، ومنها ما هو ترفيهي حيث تخرجان مع الأطفال إلى ساحة المسجد الخارجية فتنصبان لهم لعبة (الدودة) فيتراكض الأطفال إليها يدخلونها ويخرجون منها، والضحكة تزين وجوههم، وبعدها قامت الشابتان بتوزيع أكياس (بطاطا الشيبس) على الأطفال كضيافة، فأخذوا يأكلونها وهم ويصفقون ويغنون
لم تكن الجهود الإغاثية مقتصرة على الدعم النفسي أو العيني أو المادي فهناك جانب آخر مهم في الإغاثة عاينّاه هناك، فعند باب المسجد الخارجي كانت هناك إحدى اللاجئات السوريات قد وصلت لتوِّها تمسك بيد طفلها الصغير، وهي بحالة هلع، فقد وقع الطفل على أنفه ولا تدري ماذا تفعل.
قامت السيدة أم خالد (المسؤولة الإدارية والتنسيقية) مباشرة بإرشادها إلى أي المراكز الصحية يمكنها أن تتوجه، وكيف تصل إليه، وطمأنتها أن هذا المركز يقدم خدمات مجانية لللاجئين السوريين، وطلبت منها أن ترجع إليهم إن طُلب منها تصوير أو تحليل لترشدها إلى مركز آخر يساعد السوريين…
تقول السيدة أم خالد ( المسؤولية الإدارية والتنسيقية في المشروع ): إرشاد اللاجئين لاحتياجاتهم سواء الطبية أو التعليمية أو الخدمية عملٌ إغاثي مهم جداً، وقد تنبهنا له منذ بداية عملنا، فقمنا بإعداد قاعدة بيانات تضم معلومات وافية عن الجهات التي تساعد السوريين في لبنان، وتواصلنا معها لنعرف حجم الخدمات التي تقدمها، وخاصة الجمعيات الخيرية وهيئات الإغاثة اللبنانية أو التابعة للأمم المتحدة، وبناء عليها نقوم بإرشاد السوريين، كما تواصلنا مع عدد من الأطباء المختصين والصيدليات والمعاهد التعليمية، واتفقنا مع عدد منهم لتقديم مساعدات للسوريين المحوّلين إليهم من قِبلنا ليضمنوا صدق حاجتهم.
وحول التأكد من حالات اللاجئين تحكي السيدة أم عبد الرحمن ( المسؤولة عن المساعدات العينية): كل الحالات التي تسجَّل عندنا نقوم بزيارتها والسؤال عنها للتأكد منها، وكثيرٌ من هذه الحالات ساعدناها في دفع إيجارات الشقق المترتبة عليها، أو شراء بعض الأثاث والأجهزة المنزلية لهم بحسب حاجتهم، وتتم هذه الزيارات أثناء الأسبوع بعد التنسيق فيما بيننا.
أثناء توزيع الملابس والأغطية كانت هناك مجموعة من السيدات تحملن بأيديهن قطعاً من (الكروشيه)، وعند التحدث إليهن قالت أم أحمد (لاجئة من المعضمية): علمتنا السيدة “رنوة” شغل الكروشيه، وهي تعطينا كرات الصوف لنحيكها، وتعطينا عن كل كرة صوف (5 دولارات) لقد ساعدتنا كثيراً بهذا العمل…
لم يتسن لنا لقاء السيدة ” رنوة” لأنها لم تكن موجودة، ولكن “أم عبد الرحمن” أخبرتنا أنها تنسق مع اللاجئات لتعليمهن شغل (الكروشيه) واستلام القطع المنجزة منهن وتسليمهن أجورهنّ، كواحد من المشاريع التي يقدمها الفريق للاجئات السوريات.
بدأ مشروع الإغاثة هذا في ” بشامون ” منذ ثمانية أشهر تقريباً، هذا ما أوضحته لنا السيدة “أم فايز” صاحبة الفكرة في هذا المشروع، وتابعت تقول: كنت أمرُّ في شهر رمضان من أمام هذا المسجد، فأرى السوريات تجتمعن على بابه للتسول، فأتألم لحالهنّ كثيراً، فتكلمتُ مع إمام المسجد، وعرفت أنه يقوم بجمعهنّ كل شهر ليقدم لهنّ مساعدات عينينة مما تجود به نفوس سكان المنطقة من الأخوة اللبنانيين والسوريين المقتدرين، فكَّرت كيف بإمكاني عمل شيء لهن، فخطر في بالي أن المعونة لا تكون بالمال فقط، فأنا لا أملك المال الذي يغطي حاجتهم، ولكن لديّ بعض العلم، ويمكنني أن أدعمهم بذلك، فطلبت من إمام المسجد أن يسمح لي بالحضور عند توزيع المعونات للقائهم في جلسة دعم نفسي نسائي، فوافق.
في البداية كنتُ مترددة لأني بدأت بالعمل وحدي، ولم يكن معي أحد، ولكن مع الأيام تطور العمل تدريجياً، فتعاونتْ معي بعض السوريات من منطقة بشامون نفسها، ومن بيروت، وصرنا نتلقى المعونات المادية والعينية لهم، ونوزعها بحسب الحاجة، كما استثمرنا جهود كل من أرادت المساعدة سواء في الدعم النفسي للسيدات أو الأطفال أو زيارة العائلات، أو جمع التبرعات، أو التواصل مع المؤسسات الإغاثية، وعمل قاعدة بيانات لإرشاد اللاجئين للمرافق الخدمية والتعليمية والصحية… وغيرها
وعن المشاريع المستقبلية التي يتم العمل عليها أوضحت السيدة ” أم فايز” أن تعليم الصيد أفضل من تقديم السمك للحتاج لأجل ذلك فهم يجهزون حالياً وبمساعدة خيرية لافتتاح مشغل خياطة للسيدات على أن يكون على قسمين: قسم لخياطة الملابس، وقسم لتعليم الخياطة … بالإضافة إلى مطبخ تقوم فيه اللاجئات السوريات بالطهي على طريقة (التواصي)
كما يعدون لافتتاح دورات تعليمية للطلاب لترميم ما فاتهم في السنوات الفائتة وتأهيلهم للالتحاق بالمدارس التي توفرها لهم الأمم المتحدة بالاتفاق مع بعض المدارس اللبنانية حيث يتم التحاق الطلاب السوريين في الدوام المسائي
المبادرة والإيجابية والإقبال على العمل وبذل المستطاع مهما كان قليلاً هو ما على السوريين التركيز عليه، ولا يقل أحدنا: لا أملك شيئاً أو لا أستطيع فعل شيء، فكلنا نملك الوقت والجهد والتفكير، وكلنا نستطيع زرع الأمل والبسمة والمواساة وتضميد الجراح… فجروحنا التي لا تراها العيون ربما كانت أكثر ألماً من التي تسيل منها الدماء، وتبقى إغاثة الملهوف وقضاء حوائج الآخرين من أفضل الأعمال إلى الله تعالى. 
بهذه المعاني عدنا من زيارتنا لـ”بشامون ” نحمل في ذاكرتنا صورة الطفلة (غالية) ذات التسع سنوات وهي تقف بحب وأمل تحمل باقة من زهور صفراء لتقدمها لـــ (روان) الشابة التي أتت لتعلمهم وتلاعبهم معبرة بها عما يمكن أن تثمره جهود بسيطة وسط صحراء قاحلة من ورود ربيع باتت قلوب السوريين جميعاً بحاجة إليها…
كُتب هذا الموضوع
في الجمعة, مارس 28th, 2014 الساعة 6:12 ص في قسم لمــجتـمـع جـديـد.
يمكنك متابعة الردود عبر خلاصات RSS 2.0.
ويمكنك اضافة رد, او اضافة تتبع لهذا الموضوع عبر موقعك.
آخر الردود